آخر الأحداث والمستجدات
عيد الأضحى المبارك : إطلالة على أجواء العيد عند المغاربة
مع اقتراب حلول عيد الأضحى المبارك وبالضبط عند مطلع العشر الأوائل من ذي الحجة ينسج المغاربة مخيالا ثقافيا خاصا بهم في تصورهم وتمثلهم لهذه المناسبة الدينية التي تختلط فيها عدة عادات وتقاليد واحتفالات انقرض البعض منها والبعض الآخر لا زال صامدا، ولا طالما كان لعيد الأضحى أو "العيد الكبير" كما يحلو للمغاربة تسميته طابع خاص في قلوب الصغار قبل الكبار، فتعالوا بنا نسبح قليلا في بحر المخيال الثقافي لعيد الأضحى لدى المغاربة.
لا شك أن أبرز حاضر وبلا منازع في صلب هذا المخيال هو خروف العيد الذي يأخذ حصة وافرة من التفكير خاصة عند الفقراء والمساكين من الأسر الذين يسعون جاهدين إلى اقتناء أضحية العيد، ولو تطلب الأمر بيع بعض من الأثاث المنزلي، أو حتى لدى الأسر الميسورة التي لا غنى لها عن الواجب الشرعي، ولعل ما يجمع ويساوي هذه الأسر في هذه المناسبة هم الأطفال الذين يفرحون أشد الفرح بخروف العيد كيف لا وقد تمت برمجة مخيلتهم عند كل عيد بلمس الخروف والركوب فوقه تارة والتسلي به، لذلك تجدهم في الأحياء والأزقة يتسارعون ويهتفون بفرح وسرور كلما رأو أحدا قد اقتنى خروفا ويدخله لمنزله هاتفين بعبارة " مبروك أعمي، مبروك أخلتي" .
وبينما الصغار منهمكين في عالمهم الجميل هذا فإن الكبار تشغلهم أمور أخرى اكثر تعقيدا وعمقا من الناحية الثقافية، فاغلب ربات البيوت ينغمسن عند هذه المناسبة في وضع مقاسات معينة خاصة لعل أبرزها تفريش الصالون " أو بيت الضياف" وقد يتطلب منها ذلك في بعض الأحيان كراء بعض المزينات والمحسنات حتى يبدو المكان في أبهى حلة، كيف لا وأن الزيارات المتتالية تأخذ حصتها الوافرة في هذه الأيام لتبادل التهاني بين الجيران والأقارب، كما تتنافس ربات البيوت في وضع أفضل وأجود الحلويات وبأشكال وأنواع متعددة ومكلفة. والعجيب هو تقلد ربة البيت لدور الشرطي في احترام نظافة المكان وتنظيمه حتى لا ياخذ الزائر نظرة سلببية عنها او عن البيت، إنه حرص ودفاع عن المجال وفق ما تمليه ظواهر الوعي الثقافية لدى المغاربة ولو تطلب الأمر استهلاكا تفاخريا.
أما الأباء أو الذكور الكبار فينغمسون في إعداد مكان وآليات النحر وهنا يصبح الجميع ممتهن لحرفة الجزارة ولو ليوم واحد أو يومين، وقبل هذا فإن شراء أضحية العيد لا يتم دون معاني ثقافية ، ففي السوق أبعاد ودلالات ثقافية ورموز بين الباعة والمشترون، خاصة تلك التي تستعمل للدلالة على جودة الخروف وسلامته، أكثر من ذلك انتماءه المجالي والعلف المستعمل في إطعامه...كما تظهر بعض الحرف الموسمية التي يمتهنها بعض الشبان هروبا من شبح البطالة، كبيع مادة الفحم داخل مرائب و محلات عرف عنها أنها لا تفتح أبوابها إلا بحلول مناسبة معينة (الدخول المدرسي، شهر رمضان، عيد الفطر، فصل الصيف…) أو على مثن شاحنات تقوم بجلب هذه المادة التي يزداد الإقبال عليها من مناطق سهل الغرب، و منهم من يتحول إلى بائع للأدوات المنزلية الأكثر استعمالا خلال هذه المناسبة كالسكاكين و السواطير و القضبان الحديدية و المشاوي سواء من خلال تأثيث عربات مدفوعة بهذه الأدوات أو وضعها فوق “فراشات” داخل الأسواق اليومية للمدينة، بل و من هؤلاء الشبان من يتحول إلى تاجر للمواد العلفية كالتبن و قشور الجلبان اليابسة (جلبانة) و نبات الفصة فتراهم يصارعون الزمن لبيع أكبر كمية من هذه المواد لتحصيل هامش معقول من الربح يجعلهم في غنى عن مساعدات الآخرين.
إن عيد الأضحى يبدو أكثر وقعا في نفوس الفقراء والفئات المسحوقة اجتماعيا على الأقل في جوانبه المادية، حيث يفرح الصغار أشد الفرح بملابسهم الجديدة التي قد يتكبد الاباء عناء شرائها أو بعض الجمعيات والمحسنين الذين تكون يدهم طولى لادخال البهجة والسرور عليهم، ونفس الشيء يمكن قوله عن أضحية العيد التي تتكفل بشرائها بعض الجمعيات والمحسنون لبعض الأسر الفقيرة والمهمشة والتي لا طاقة لها من الناحية المادية، وإن كان هذا يساعدهم في أداء واجبهم الشرعي فهو يخرجهم ولو موسميا من طيات وكتمان النسيان والحرمان الإجتماعي، لذلك فالعيد بالنسبة لهم يكون أعياد أضعافا مضاعفة ولعل هذا ما يميز المغاربة عبر تضامنهم اللامشروط في هكذا مناسبات، ليتساوى الفقير والغني في تناول اللحم والكباب أو "الشوى" كما يحلوا للمغاربة تسميته طبعا.
في هذه المناسبة وكغيرها من المناسبات الدينية ينكسر جدار الصمت الذي خيم طويلا بين الجيران وأهل الحي وبين الأقارب، ليتم تبادل الزيارات والتهاني والتبريكات بحلول هذه المناسبة، وكأن القلوب تحيى من جديد وتصبح أكثر صفاء، فتسود قيم التصالح والتعاون والتآزر، ويتم تغييب الفوارق الطبقية، تطغى الانسانية والإثار بدل الفردانية، ويعود الحنين بقوة إلى تلك البنيات التقليدية المنبنية على حسن الجوار والتضامن بعدما غيبتها ثقافة الرأسمال والفردانية وثقافة "دخول سوق راسك، سبق الميم ترتاح وهلم من الثقافات المدمرة لقيم التضامن والتآزر. وهذا ما يميز هذه الأيام من خلال إعادة إحياء المتاقسم والمشترك إجتماعيا، ثقافيا، رمزيا وروحيا.
في صبيحة عيد الأضحى وبعد أداء صلاة العيد يتجمهر جموع المصلين الوافدين من جميع الأحياء للوقوف عند شارة الإنطلاقة في عملية النحر التي يدشنها إمام المصلين، وهكذا تنطلق العملية في جو يسوده الفرح والسرور، فتغزى سطوح المنازل بالناس ويتم تبادل التهاني من فوق الأسطح فتنسج شبكات من التهاني تعبر عن لحمة المجتمع وتضامن يستمر للحظات، لتحضر آلات التصوير مع آخر لحظات خروف العيد، ليتم النحر وتبدأ الزيارات ويعيش الجميع في لحظات تفرض نفسها و تشفي الغليل الثقافي والروحي في مجتمع مزيج يجمع بين شتى المتناقضات ويدبر الاختلافات والفروقات بشكل أوتوماتيكي تحركه مثل هكذا مناسبات.
الكاتب : | عبد العالي الصغيري |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2013-10-14 22:45:54 |